الاخبار المحلية

اعتصامات متواصلة في البصرة رغم استقالة عبد المهدي

على الرغم من استقالة الحكومة العراقية برئاسة عادل عبد المهدي، فإن الاحتجاجات الشعبية لم تتوقف في مدينة البصرة التي تعد عاصمة العراق الاقتصادية، فهي مستمرة بصيغة تظاهرات سلمية واعتصامات مفتوحة بالقرب من مقر الحكومة المحلية، وبجوار بعض المنشآت والحقول النفطية.

إصرار على الاستمرار

الهدوء عاد إلى كافة مناطق المحافظة بعد إشهار عبد المهدي استقالته، والاحتجاجات صارت أقل توتراً وحدة، وخالية تماماً من أعمال العنف، لكن إصرار المحتجين على تحقيق مطالبهم الأخرى دفعهم إلى مواصلة حراكهم الاحتجاجي بنسقٍ سلمي، ومن أبرز مطالبهم تعديل الدستور وقانون الانتخابات، وإجراء انتخابات نزيهة مبكرة، وإنهاء التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي، ومحاسبة المسؤولين الحاليين والسابقين من المتهمين بشبهات فسادٍ إداري ومالي.

المعتصمون أصدروا بياناً جاء فيه أن “ملامح التغيير بانت بصمود الشباب وثباتهم في ساحات الاعتصامات والتظاهر بالطرق السلمية ودماء الشهداء، فقد قطفت الثورة أولى ثمارها باستقالة الحكومة”، مبينين أن “استقالة الحكومة غير كافيةٍ، واعتصامنا مستمر حتى يقدم الجناة إلى قضاءٍ مستقل لينالوا الجزاء العادل، وليست لدينا جهة مفاوضة تنوب عن المعتصمين، ومطالبنا عراقية موحدة”.

وأشار المعتصمون ضمن بيانهم إلى أن “طموحنا هو العيش في دولةٍ مستقلة سيادتها مصونة، تبنى على أساس المواطنة، يحميها القانون بعيداً عن المحاصصة والمحسوبيات والطائفية والقومية”.

جهود أمنية مكثفة

القواتُ الأمنية في البصرة كثفت انتشارها في محيط موقع الاعتصامات والتظاهرات، وأبقت على حاجز مرتفع من الكتل الإسمنتية يفصل بين الموقع ومقر الحكومة المحلية. كما بادر معتصمون إلى تشكيل لجنةٍ أمنيةٍ تطوعية يلقى على عاتقها تفتيش الوافدين إلى الموقع، ومن واجباتهم منع حيازة الأسلحة النارية والآلات الجارحة حفاظاً على سلمية الاحتجاجات، ومنعاً لتسرب “مندسين”.

فيما تواصل قيادة العمليات في البصرة منذ أيام قليلة تنفيذ حملة أمنية لملاحقة وافدين إلى المحافظة من محافظات أخرى، وذكرت القيادة في بيان لها أن “القوات الأمنية بدأت تنفيذ أوامر عليا تقضي بمطاردة الغرباء الوافدين إلى المحافظة لإثارة الفتنة والتحريض وتدمير البنى التحتية”، موضحة أن “القوات الأمنية لن تسمح بأن تكون البصرة مسرحاً لعمليات إجرامية بحجة التظاهر، ولا نسمح بدخول الغرباء الذين يحملون نوايا سيئة”.

تحركات حكومية متأخرة

مع أن المطالب الإصلاحية للمحتجين العراقيين تتخطى صلاحيات وإمكانيات الحكومات المحلية في المحافظات، إلا أن الحكومة المحلية في البصرة حاولت امتصاص حالة الامتعاض الشعبي وتذويب الحراك الاحتجاجي من خلال إعلانها تخصيص أكثر من عشرة آلاف قطعة أرضٍ سكنية للفقراء، وتوفير 30 ألف فرصة عملٍ مؤقتة للشباب في بعض مؤسسات القطاع العام.

ومن المقرر إحالة عشرات المشاريع المتعلقة بتطوير البنى التحتية الخدمية في المحافظة إلى التنفيذ في غضون الأيام المتبقية من العام الحالي، وبحسب المواطن حسين علي فإن “الحكومة المحلية لو كانت تعمل منذ أعوام بهذا المستوى من الأداء لكانت البصرة اليوم خالية من ظاهرة البطالة، ولا وجود فيها لأزمة سكنٍ، ولا يشكو أهلها من ضعفٍ في الخدمات الأساسية، لكن الحكومة لا تعمل بجديةٍ وكفاءةٍ إلا تحت الضغط الشعبي”.

فعاليات فنية وتطوعية

موقع الاعتصامات والتظاهرات لم يعد مكاناً للاحتجاجات فحسب، بل تحول إلى فسحةٍ واسعة للندوات الفكرية والعروض الفنية والمبادرات التطوعية، فإحدى خيام الاعتصام تعود إلى طلاب اتخذوا منها صفاً دراسياً لتعويض الدروس التي فاتتهم خلال أيام إضرابهم عن الدراسة، وليس بعيداً عنها خيمة أخرى تشهد يومياً ندوات نقاشية تتناول مواضيع تخص الدستور والانتخابات والديموقراطية والحريات، فيما أخذ بعض الفنانين الشباب على عاتقهم تلوين جدران قريبة برسومات من وحي انتفاضتهم، وشرع غيرهم بترميم نصب “معركة ذات الصواري”، المهمل منذ عام 2003، فيما بادر مصورون إلى إقامة معرض في الهواء الطلق لصور فوتوغرافية ملتقطة خلال ذروة الاحتجاجات.

الحراك الاحتجاجي المتواصل في المحافظات الجنوبية والوسطى مر بأطوارٍ ومراحل متعددةٍ، إذ بدأ بصيغة تظاهراتٍ غاضبة تخللتها أعمال عنفٍ واسعة أوقعت مئات الضحايا وآلاف الجرحى، ثم انتقل المحتجون إلى مرحلة الإضراب عن العمل، الذي تسبب في تعطيل واضطراب الدوام الرسمي في معظم المدارس والمؤسسات الحكومية لأيامٍ متتالية، ثم حصلت خطوة تصعيدية باتجاه قطع طرقٍ وإغلاق منشآتٍ اقتصادية حيوية كميناء أم قصر، وهو أكبر ميناءٍ تجاري في العراق، وأخيراً استقرت الاحتجاجات على مسار الاعتصامات المصحوبة بتظاهراتٍ سلمية متفرقة.

إغلاق